مقالات

العداء بين المماليك والمغول

جريدة موطني

العداء بين المماليك والمغول
بقلم / محمـــد الدكـــروري

العداء بين المماليك والمغول

الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن في الدين عصمة أمركم، وحسن عاقبتكم وبعد ذكرت المصادر التايخية الكثير عن دولة المماليك في مصر ومواجهتها للمغول، وقيل أنه لم ينقطع العداء بين المماليك والمغول منذ موقعة عين جالوت، إذ ظل مغول فارس يتحينون الفرصة للثأر، ويغيرون بين حين وآخر على أطراف الدولة المملوكية الشمالية بالعراق والشام ولكن موجة المغول الكاسحة كانت قد إنكسرت حدتها بعد هزيمتهم الفادحة في عين جالوت، وبعد وفاة هولاكو، وأصبحوا في حالة من الإجهاد والمشاكل الداخلية لا تمكنهم من القيام بمحاولة كبرى لغزو الشام، لذلك سعى خليفة هولاكو آباقا خان إلى طلب الصلح من بيبرس، على الرغم من إحتفاظه بمشاعر العدائية والكراهية.

تجاه المسلمين، وسياسته الودية تجاه الصليبيين في الشام وقيليقية ولجأ آباقا في طلبه الصلح إلى مزيجٍ من الترغيب والتهديد، إذ قال مخاطبا بيبرس ” فأنت لو صعدت إلي السماء أو هبطت إلي الأرض ما تخلصت منا فالمصلحة أن تجعل بيننا صلحا ” ولكن بيبرس كان يعلم جيدا أن الصلح مع المغول أمر لا يرضى عنه أي مسلم عندئذ، بعد أن دمروا بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم بالله، وفعلوا بالمسلمين في العراق ما يتنافى مع قواعد الإنسانية والرحمة، لذلك رفض بيبرس طلب آباقا للصلح وأعلن أنه لن يكف عن المغول حتى يسترد جميع البلاد التي إغتصبوها من المسلمين ولما يئس آباقا من الصلح أرسل رجاله للإغارة على الشام سنة ستمائة وثماني وستون من الهجرة، فهاجموا الساجور، ولكنهم إرتدوا خائبين عندما رأوا الجيوش التي أرسلها السلطان لمنازلتهم.

ثم عاد المغول مرة أُخرى لمهاجمة عينتاب وعمق الحارم سنة ستمائة وتسع وستون من الهجرة، ولكن إغارتهم كانت محدودة الأثر والأهمية وفي ذلك الوقت حاول الأمير إدوارد الإنكتاري أن يستغل المغول في مهاجمة المسلمين بالشام، وأرسل فعلا سفارة إلى آباقا لذلك الغرض ولكن آباقا لم يقدم للصليبيين أكثر من بضعة وعود، بل إنه أرسل بعض الرسل للسلطان بيربس لتجديد الكلام في الصلح، ومع أن بيبرس أحسن إستقبال رسل المغول في هذه المرة وأرسل معهم بعض الهدايا لآباقا، فإنه لم يوافق على مبدأ الصلح معهم مما جعلهم يجددون هجماتهم على البيرة، وفي تلك الفترة دخل سلاجقة الروم في الأناضول، بحكم موقع بلادهم الاستراتيجي، في دوامة الصراع بين المغول والمماليك، وتقلبت سياستهم وفقا لتغيير ميزان القوى، فهم تارة مع المغول يستمدون العون منهم.

ويحاربون في صفوفهم، وتحت رايتهم، وتارة أخرى يستنجدون بالمماليك ليحرروهم من سيطرتهم، إلا أنه وجدت فئة من الأمراء حملت لواء المعارضة للوجود المغولي في البلاد، فتعرضت للضغط الشديد مما اضطرها إلى الهجرة إلى الشام ومصر حيث رحب بهم بيبرس ووعدهم بالسير إلى الأناضول وإستخلاصها من يد أمراء السلاجقة المؤيدين للمغول، وضم البلاد المملوكية والسلجوقية في سبيل الإتصال بمغول القبيلة الذهبية للوقوف في وجه مغول فارس، وفي سنة ستمائة وأربعة وسبعون من الهجرة، أعد بيبرس حملة كبيرة لغزو الأناضول، وسار على رأس جيوشه شمالا، وفي موقعة البستان حلت الهزيمة ساحقة بالمغول ومن حالفهم من السلاجقة، فقتل عدد ضخم من رجالهم وبعد ذلك دخل بيبرس قيصرية ودعي له على منابرها، وقدم له أمراء السلاجقة فروض الولاء والطاعة ثم قفل راجعا إلى الشام.

ولم يعش بيبرس طويلا بعد حملته على بلاد الأناضول، إذ توفي في دمشق يوم الخميس الموافق من شهر محرم عام ستمائة وست وسبعون من الهجرة، وكان قد أوصى بولاية العهد إلى إبنه البكر السعيد بركة، متحديا بذلك طبيعة المماليك ونظامهم، وجعل الأُمراء يقسمون يمين الطاعة لذلك الأمير ظنا منه أن هذا كفيل بأن يجعل الأمور تستتب على الوجه الذي يريده بعد وفاته.

العداء بين المماليك والمغول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى